كتاب الدلالة النورانية
اصطلاح «مدد»
سؤال: ما هي شرعية استخدام البعض نداء «مدد»؟
جواب: يقول الشيخ عبد القادر عيسى رحمه الله: "إن كلمة «مدد» التي ينادي بها أحدهم رسول الله أو يخاطب بها أشياخه أو غيرها من الكلمات التي أثارت حفيظة البعض، لها تأويل شرعي حيث ادعى هؤلاء أن هذه الكلمة هي سؤال لغير الله واستعانة بسواه مخالفة للنص الشرعي. فنقول إن الله تعالى يقول {كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاَءِ وَهَؤُلاَءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ} (20 الإسراء).
وحتى تكون الصورة أوضح نقول: على السالك في جميع أحواله أن يعلم أمرين:
الأول: أن يعلم أن الله تعالى هو مسبب الأسباب والمتصرف تصرفاً مطلقاً في هذا الكون خلقا وإمداداً. ولا يجوز للعبد أن يشرك معه أحداً من خلقه مهما علا قدره من نبي أو ولي.
الثاني: أن الله تعالى جعل لكل شيء سبباً فالمؤمن يتخذ الأسباب ولكنه لا يعتمد عليها ولا يعتقد بتأثيرها الاستقلالي. فإذا نظر العبد إلى السبب واعتقد بتأثيره المستقل عن الله تعالى فقد أشرك لأنه جعل الإله الواحد آلهة متعددين، وإذا نظر للمسبب وأهمل اتخاذ الأسباب فقد خالف سنة الله الذي جعل لكل شيء سبباً، والكمال هو النظر بالعينين معاً فنشهد المسبب ولا نهمل السبب.. ولتوضيح هذه الفكرة نسوق بعض الأمثلة عليها:
إن الله تعالى وحده هو خالق البشر ومع ذلك فقد جعل لخلقهم سبباً عادياً وهو التقاء الزوجين وتكُّونُ الجنين في رحم الأم وخروجه منه في أحسن تقويم.
وكذلك فإن الله تعالى هو وحده المميت، ولكنه جعل للإماتة سبباً هو ملك الموت، فإذا لاحظنا المسبب قلنا {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ} (42 الزمر). وإذا قلنا إن فلانا قد توفاه ملك الموت لا نكون قد أشركنا مع الله إلها آخر لأننا لاحظنا السبب كما بينه تعالى في قوله {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} (11 السجدة).
· وهكذا الأمر بالنسبة للهداية إذا نظرنا للمسبب رأينا أن الهادي هو الله وحده. ولذلك قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ} (56 الإسراء)، وإذا لاحظنا السبب نرى قول الله تعالى لرسوله {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (52 الشورى). أي تكون سببا في هداية من أراد الله هدايته.
والعلماء العارفون المرشدون هم ورثة الرسول صلى الله عليه وسلم في هداية الخلق ودلالتهم على الله تعالى. فإذا استرشد مريد بشيخه فقد اتخذ سبباً من أسباب الهداية التي أمر الله تعالى بها وجعل لها أئمة يدلون عليها {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِأَيَاتِنَا يُوقِنُونَ} (24 السجدة)، فكما يجوز أن نقول يا رسول الله اهدني ويا ملك الموت اقبضني باعتبار أن المسبب في الهداية والقبض هو الله تعالى والسبب في الأول الرسول صلى الله عليه وسلم وفي الثاني ملك الموت. كذلك يجوز القول مدد يا رسول الله، باعتبار أن المسبب بالمدد هو الله وأن المدد من عنده، والسبب فيه هو الرسول صلى الله عليه وسلم، كذلك نقول إن الهداية سببها الرسول صلى الله عليه وسلم ومسببها هو الله وهي تجري بأمره {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا}".
منقول للامانه