[center] بسم الله الرحمن الرحيم
الصلاة و السلام على سيدنا محمد وعلى اله و صحبة اجمعين
معنى كلمة المــــــدد
معنى لفظ المدد
يختلف معنى كلمة (مدد) باختلاف نية قائلها.
وورد في لسان العرب عن معنى كلمة مدد: مددنا القوم، أي صرنا لها أنصارا ومددا.
وأمدَّ الأمير جنده بالخيل والرجال وأعانهم وأمدهم بمال كثير وأغناهم..
والمدد: العساكر التي تلحق بالمغازي في سبيل الله والإمداد أن يرسل الرجل مددا([1]).
وقال الإمام الفيومي رحمه الله تعالى: أمددته بمدد: أعنته وقويته به([2]).
فإذا قال المسلم: مدد يا الله أي أعنِّي وأمدَّني بقوتك وانصرني على عدوك وزدني بالرحمات والبركات وأمدني بالمقدرة على طاعتك ومحاربة نفسي وشيطاني.
وأما إذا قال: مدد يا أولياء الله فمعناه: علمونا مما علمكم الله وأمدونا مما أمدكم الله سبحانه به من العلوم والعرفان وساعدونا بما ينفعنا لسيرنا وأرشدونا في سلوكنا إلى محبة الله بإذن الله: وما كان هذا إلا لأن أكثر العباد فقدوا من يدربهم ويؤدبهم بالإسلام وبأخلاق سيد الأنام صلى الله عليه وآله وسلم فإنهم بحاجة إلى من يعينهم ويمدهم بالعلم ويعلمهم أدب طريقة السير والسلوك والمدد بالمعنى الذي ذكرناه موجود حسا ومعنى في حياتنا فلا يستطيع أحد أن ينكر أن الإنسان يستعين بوسائط النقل كالسيارة والطيارة والباخرة والقطار لقضاء الحوائج الدنيوية والانتقال بواسطتها من بلد إلى آخر لا يصل اليه الإنسان بدونها إلا بشق الأنفس هذا وإن البحارة والطيارين يستولون على وجهة سفرهم بحرا وجوا بواسطة قطعة معدنية يقال لها: البوصلة ترشدهم إلى الجهة المطلوبة ولا ينكر هذا فهل الاستعانة بالمعدن تخرج عن الملة؟! وهل ترفض مساعدة ثمينة يقدمها الينا من له خبرة في سلوك طريق محبة الله المحفوفة بشتى أنواع المخاطر للوصول من خلال ذلك المدد وتلك المساعدة بلا مشقة ولا تعب.. علما بأن أقل الأعداء في هذا الطريق النفس والشيطان والهوى..؟!
والقائل: «مدد يا سيدي فلان» فهو إما يطلب المدد من الحي أو من الميت، فطلب المدد من الحي معناه طلب دعائه، وإرشاده، وروحانيته، وتوجيهه، وتربيته، وبركة صلاحه وتقواه، وما هو من هذا السبيل.
وطلب المدد من الميت معناه طلب التوسل به إلى الله، والاستشفاع به إليه تعالى في قضاء الحوائج، ودفع الجوائح، والتماس بركة مقامه عند الله، والاستمداد من مدد الله الذي أعطاه (وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً) [الإسراء:21].
وفي أول هذا البحث أثبتنا أن التوسل إلى الله بصالحي الأحياء والموتى، ليس معناه التوسل بالذات المشخصة من اللحم والدم والعظم والعصب، وإنما هو التوجه إلى الله بالمعنى الطيب في الإنسان الطيب، والمعنى الطيب ملازم للروح سواء تعلقت الروح بالجسم في الحياة، أو تخلصت من الجسم بالموت، واستقرت في برزخها على مقامها هناك و(هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ) [آل عمران:163]، (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا) [الأحقاف:19]، (وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ) [الصافات:164]، (أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) [ص:28].
وهذا القدر من العلم البسيط هو الكم المشترك بين الجمهور المسلم، ثم ينفرد الخاصة من أهل الله بما يقرره الدين والعلم القديم والحديث، من إثبات الطاقات والقوى والسيالات والتيارات والأسرار الروحية، التي تنفعل لها الأشياء بقدرة الله، كسبب من الأسباب الطبيعية في سنة الله ونواميس الكون.
ولهذه الطاقات والقوى والسيالات آثار إيجابية مسلَّمٌ بها علمًا ودينًا، وتوجيهها من الإنسان إلى الإنسان، أو منه إلى بعض الأكوان، له ما له من التأثير العجيب عند أهل العلم والمعرفة قديمًا وحديثًا.
ولنضرب مثلا بالحسد أو بالتنويم المغناطيسي، وأثرهما محسوس مكرر، مقرر في العلم والشريعة، ويشهد لذلك مما نرى من قوة الشخصية وهيبتها، وضعف الشخصية وتفاهتها، وانعكاس هذا وذاك على الآخرين، فهذا من بعض معاني المدد عند المحققين، ولا يقولن قائل ـ عالم أو جاهل ـ إنَّ في هذا دعاءً لغير الله، أو طلبًا من سواه، فطالب المدد طالب خير من الله، وملتمس منه بوسيلة مشروعة، وهو صاحب استشفاع مستحب، كما أسلفنا ذلك.
وأساليب اللغة من حيث المجاز والاستعارة والكناية، والبلاغة في حذف المضاف، ثم واقع الأمر في ذات طالب المدد، كل ذلك يحمل عنه وزر الجهل والخطأ وحكم العادة، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «كفوا عن أهل لا إله إلا الله، لا تكفروهم بذنب، ولا تخرجوهم من الإسلام بعمل»، وبهذا ينضم الدين إلى جانب الجاهل والمخطئ في التعبير بغير عمد ولا إصرار.
وقد قررنا أن المتوسل والمستشفع وطالب المدد، كلهم معترفٌ بذنوبه، مقرٌّ بعيوبه، متجردٌ من حوله وقوته، فهو لا يرى نفسه أهلًا للمثول في الحضرة العلية، بما عليه من الأوزار والأوضار، وبخوفه حتى من أن تكون طاعاته مدخولة مردودة، فهو يرجو أن يتقبله الله ويغفر له بتجرده من ظلمة علمه وعمله، ثم ببركة مَن يعتقد الخير فيه من أهل الله، فهو كما يتوجه إلى الله بخوفه من نفسه، يتوجه إليه تعالى برجائه في حبه لغيره.
وهكذا يبدأ المتوسِّل - تذللًا وتواضعًا وانكسارًا - من مقام الخوف من الله والفقر إليه، إلى مقام الرجاء فيه والثقة به، فانيًا عن ذاته وجهده، فيتردد بين فضلين ربانيين، لا يُخطئه أحدهما بإذن الله.
والأعمال أولًا وأخيرًا بالنيات، ولكل امرئ ما نوى، والحديث النبوي يقول: ألا هلك المتنطعون. «سددوا وقاربوا»، «ويسروا ولا تعسروا»، وقد سُئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أين التقوى ؟ فأشار إلى صدره ثلاثًا يقول: التقوى هاهنا.
-----------
من مدرسة الشيخ عبدالله بن السعيد الصيادي الرفاعي الحسيني شيخ مشايخ الطريقة الرفاعية في مدينة حماه السورية