تـــــــــــــــــكملة الــكــــتــاب
وإياكم والتعاون على ظلم الخلق وشهوات النفوس ، قال الله تعالى
( وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ )) . سورة المائدة (2)
شرف الأمة بالتعاون على مصلحة الدنيا والدين .
التجربة السارية بحكم الوضع الأصلي في النوع الآدمي تقول : هلك المتفرقون ! اعرفوا حق العصائب الزكية في الأمة ، حَطَّهم الزمان أوْ رفعهم ، أضعفهم أو أقواهم .
لذوي البيوتات في قلوب العامة سلاسل تهزها بحال ما يصل إليها .
لا تهدموا شرفات بيوت مجدكم بخسة الطباع ، وسوء الحال ! فإنَّ أولَ بانٍ للمجد رتَّب عليكم حقوقاً : أعزها حفظ مجده من بعده ، لا تقصر هممكم عن أن يتصدر كل واحد منكم فيبنيَ مجداً ثانياً فوق المجد الأول ، هذا سيد أهل المجد ، وأمجدُهم وأعظمهم عند الله والناس ، مولانا ووسيلتنا إلى ربنا ، وسيدنا محمد رسول الهدى صلى الله عليه وآله وسلم ، بنى للمسلمين بيتَ مجدٍ إلهي - ديني ودنيوي - جمع بين شَرِفَيِ المادة والمعنى ، ووفق بين عزمي الآخرة والأولى ، فانظروا كيف تَخلفوه في حفظ مجد هذا الدين المتين ، والكتاب المبين ، ابذلوا لإعلاء كلمة مجده الرباني المحمدي : الأموال والأنفس ، قفوا عند حده ، لا تنحطوا عن هذه الرتبة السعيدة ، فإن الانحطاط عنها مخالفة ، والله تعالى يقول
( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )) . سورة النور (63)
إذا رأيتم المنتصر لنبيِّه فانصروه ، وأعزوا كلمته ، فإنَّ في ذلك من النفع في دينكم ودنياكم ما يقصر عنه وصف الواصف ، ويَكِلُّ عنه لسان المُعَبِّر .
ما أحطَّ همةَ مَنْ عارَض رجلاً يسعى لإصلاح شأن الدِّين منتصراً للنبيِّ الأمين صلى الله عليه وآله وسلم ، أفًّ له ، لا عقل له ، قامت هذه الحجة على كل آدمي ، ووجب عليه الإنتصار لكلمة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، إذ لوْ فَقِهَ : عَلِمَ أنه هو الذي شاد منار العدل ، وأوضح المَحَجَّة ، وأقام الحُجَّة ، وأوقع الطمأنينة في القلوب ، وكفَّ بشرعه الكريم أيديَ الناس عن الناس ، ومهَّد بنيان الأمن والإيمان ، وقاتل لله على كلمة الله ، ليذيع سر عدل الله في ملك الله ، وليُفْرِغَ حكمَ أمان الله في خلق الله ، وهو الذي ساوى بشرعه بين الأمير والمأمور ، والقوي والضعيف ، والغني والفقير ، والصغير والكبير ، والشريف والمشروف ، وكلهم عنده في الله سواء .
وهو الذي هدم قواعد البغي ، ومحق أساس الجُوْر ، وبدَّد أركان الظُّلْم ، وبسط بساط الراحة والبركة ، وصان الحقَّ وحمى أهله ، وأقعد الناس على صعيد واحد ، وأرتعهم في بحبوحة الأمان من طوارق وعَثَاء النفوس الباغية ، والطباع المتسلطة العادية ، ودلَّ على الله ، وأرشد إلى الله ، وهذَّب الأخلاق ، وذكَّر بالله ، وربط القلوب بحبل الله ، وعقدها على محبة الله ، وفتك وأحسن ، وقطع ووصل ، وكلُّ فعاله لله ، إعزازاً لدين الله ، وإنقاذاً لخلق الله من وهدة العيوب القاطعة عن الله ، فهو أمين الله على خلق الله في بلاد الله إلى أن يُحْشَر الخلقُ إلى الله ، والأمر يومئذ لله ، فمن أراد الله به خيراً فقَّهَهُ في الدِّين ، ودلَّه على هذا الطريق الأمين ، فهجر المكابرة والعِناد ، وتمسك بحبل الهدى والسَّداد ، وأخذ كلمة الحق باباً ، فدخل بها منها إلى حضرة أمان الله ، مؤمناً بالله ، وبكتاب الله ، وبكل ما جاء من عند الله ، إلى سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
أيُّ شريعة للأنبياء عليهم الصلاة والسلام - وهم إخوانه - جاءت بمثل شريعته ؟ وأيُّ طريقة للمرسلين - وهم عياله - وفَّتْ بمثل طريقته ؟ امتازهم الله على الناس فأعزهم بالنبوة والرسالة ، وامتازه الله على جميعهم فأيده الله مع النبوة والرسالة بالحكمة والبيان ، وعلو الهمة ، وشدة العزم ، قيل له : (( فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ )) علماً أزلياً بأنَّ حُكْم قابلية ذاته يقدم بصبرهم كلهم ، فالعارف من كان عاقلاً ، والعاقل من كان حكيماً ، والحكيم من كان مسلماً؛
وإلا ، فالعارف إذا لم يكن عاقلاً فهو مُوَسْوَس ، والعاقل إذا لم يكن حكيماً فهو مخلِّط ، والحكيم إذا لم يكن مسلما فهو واهم .
الإسلام روح الحكمة قال الله تعالى : (( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ الله الإِسْلامُ )) .
أتى الإسلام بالبرهان القاطع ، والحكم الصادع ، فعقد العقول على الحق بالحق ، وأوقفها أن تجمع شأنها على ما لا حقيقة له من قول وعمل ، يُحيط العقل ، ولكن هاتِ العقل الكامل وأَحِطْ به الإسلام ، وخذه على مفكرتك ، وتدبره بعدُ بعين فقهك وبصيرتك تجده نوراً في قلبك ، وحالاً في عزمك ، وبركة في سِرِّك ، وطمأنينة في خاطرك ، وقوة في عزيمتك ، ورياضة في طبعك ، وعصمة في أمرك ، وبياناً في لسانك ، وشرفاً في صفاتك ، وعزاَ في طَوْرك ، ومجداً في سلوكك ، وزيادة في نخوتك ، وحِصناً في معيشتك ، وركناً في همتك ، وأماناً في آخرتك ، ورِبحاً في دنياك .
وإذا لم يفقه عقلك من الإسلام - بعد أن يُعْمِل الإحاطة به - هذه الأسرار الباهرة ، فاتَّهِم عقلك ، فإنه ما أحاط به ولا فهم ولا فهم فقهه ، ولا وصل إلى سِرِّه !
قامت لربي به الحجة قال الله تعالى
( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ )) ( 78 الحج ) أخذت به قابليات الطباع حظوظها في دائرة لا تعد ، والحكمة لا تنحرف عن الصواب قال الله تعالى
( لا يُكَلِّفُ الله نَفْساً إِلا وُسْعَهَا )) صفت مناهله ، وطابت مشاربه .
عجبا للجاهل يكتسي بكسوة العُيَّاق ، فيرى الآخر مكتسياً بكسوة التجار فيسقطُ من عينه ، وذاك يرى الآخر مكتسياً بكسوة الجند فيسقط من عينه ، وذاك يرى الآخر مكتسياً بكسوة الفقراء فيسقط من عينه ! وهلم جرّاً .
يا من عقل عقله بعِقالِ الكَساوي المجردة ، خذ الحكمة أين وجدتها ، ولا تنظر إلى مصدرها ، انطمِسْ عن المصدر ، وخذها ، ومن أي محل صدرت فلتصدر ، هي القصد ، وفيها المطلوب ، ولا تُتبع الحبل الدلوَ ، أوقف الأمور عند حدودها ، نَقِّ نظرك حتى يرى الحِكَم ، وينصرف عن مصادرها ومواردها .
كن عالماً بما لَكَ وما عليك ، وأرجع نظرك إليك ، تفكر بعوالم الله تعالى ، عالم الماء ، في كل جرعةٍ منه من العوالم العجائب ! عالم الهواء ، في كل شمة منه من العوالم الغرائب !
نشر الباري المقيم أسرار ربوبيته الباهرة وعظمته القاهرة ، وعجائب سلطنته القادرة في كل شيء وقال لك : اعتبر أيها الإنسان بنص : (( فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارَ )) فإن أدركت حكم العبرة في الفكرة ، ووصلت إلى سرها المطوي ، وعالمها المخفي ، ووقفت عن الغفلة ، وسرت مع الحَذاقة ، وجمعتَ عليك حالك ، فقد فُزْتَ فوزاً عظيماً
( وَالله وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ )) (( الله الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ )) .
هذا نظام خاص لأهل الإختصاص ، يهدي الله به من يشاء والله ذو الفضل العظيم .
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين .
والحمد لله في الأول والآخر ، والباطن والظاهر ، له الحكم ، وإليه ترجعون .